class='ads'>
الخميس، أبريل 16

الدرس الرابع من دروس الدورة الشرعية

الدرس الرابع من دروس الدورة الشرعية  

**********عقيدة التوحيد********** 

~~~~<( لا إلٰـه إلا الله )>~~~~

====بين النفي والإثبات====


بقلم الدكتورعبد الرزاق المساوي  


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد.. فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
حياكم الله جميعاً وبياكم، وطبتم وطاب سعيكم وتغريداتكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعنا بالتويتر على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه... أما بعد:
تحدثنا في الدروس السابقة ولا زلنا نتحدث عن الأصل الأول من أصول هذا الدين الحنيف، عن المرتكز الأساس في الإسلام، والذي بدونه لا يمكن بأي حال من الأحوال الانتساب إليه أو أخذ صفة مسلم، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، هذا الأصل وهذا المرتكز هو الذي اصطلح على تسميته بالتوحيد أو "لا إلٰـه إلا الله"، ولقد ركزنا في الدرس الأول من هذه السلسلة على "اِقرأ باسم ربك الذي خلق.." والتي كانت أول آية أنزلت على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وفيها إشارة عظيمة لقضية عظيمة فالله تعالى يأمر رسوله بالقراءة بالعلم والمعرفة بالتحصيل والتتبع، اقرأ أنت يا محمد، عملية ذاتية تخص الرسول صلى الله عليه وسلم وسيقوم بالتلقين الملك جبريل عليه السلام، سيلقي الرسالة في روع محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك سيكون قد نفد أمر الله عندما قال له "اقرأ" أنت نفسك لتعرف، وهذه عملية ذاتية داخلية فلقد قرأ محمد صلى الله عليه وسلم باسم ربه جل وعلا وحصل المراد من "اقرأ".. ثم حمَل المقروء كي يقرأه على غيره ويعرِّفه باسم ربه جل جلاله، ففعل اقرأ في الأمر يعطي دلالة القراءة الذاتية والقراءة الاجتماعية، أي اقرأ أنت لنفسك واعلم أنت لذاتك أولاً، ثم اقرأ لغيرك وعلّم غيرك ثانياً، اقرأ لنفسك ولغيرك ولن تنسى ما سنُقْرِئك "سنقرئك فلا تنسى" وهكذا سوف تتناسل القراءة عبر التاريخ كلما أخذ أحد القرآن قرأ لنفسه وقرأ لغيره وبالتوحيد تبدأ تلك القراءة، لا يثبت التوحيد إلا بالقراءة والعلم والمعرفة، ولا تُزكى تلك القراءة وذلك العلم وتلك المعرفة إلا بالتوحيد، ولهذا وجب على كل مسلم ومسلمة العلم بالتوحيد أي العلم بلا إلٰـه إلا الله والمعرفة بها، هذا أولاً والباقي يأتي إن شاء الله تعالى، يقول تعالى"فاعلم أنه لا إلٰـه إلا الله"(الزخرف 86) أول شيء تعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه تعالى كان هو التوحيد وأول شيء يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بع مبعوثوه إلى الناس هو تعليم الناس التوحيد "لا إله إلا الله"النفي والإثبات، وأول ما يطلب لدخول الإسلام لا إله إلا الله النفي والإثبات، النفي = لا إلٰه أما الإثبات = إلاّ الله، لقد بَعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وقال له:"إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، (فهم أهل كتاب لا يحققون غاية النفي والإثبات)فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله(نفي وإثبات)"البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد وابن ماجةوأبو داود والدارمي..
أول ما نزل "اقرأ باسم ربك" وأول ما تدعوهم إليه "لا إلٰـه إلاّ الله" كلمة التوحيد عقيدة الإسلام منذ بدء الخلق "وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون" وهي أكبر وأثقل وأثمن من الخلق كله أجمعين، لا شيء يعلوها ولا أحد يماثلها روى أحمد وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:~<("قال موسى: "يا رب علمني شيئاً أذكرك به" قال: يا موسى، قل: "لا إلٰـه إلا الله" قال:"كل عبادك يقولون هذا" قال: "يا موسى، لو أن السٰوات السبع وعامِرَهُنَّ غيري والأرضين السبع في كفة،و"لا إلٰـه إلا الله في كفة، مالتْ بهنَّ "لا إلٰـه إلا الله")>~
تلك هي كلمة السرّ التي تحمل كل الأسرار، وهي كلمة العلم التي تحوي كل العلوم، وكلمة المعرفة التي تتضمن كل المعارف، كلمة قصير حجمها طويل مدلولها، قليلة ألفاظها كثيرة معانيها، جمعت كل العوالم في طياتها، وكل الأكوان في مكوناتها، كلمة لا يعلوها شيء أبداً..
"لا إلٰـه إلا الله" تركيب يتكون من: لا النافية للجنس، ونفي الجنس أعمّ النفي، إنها لا النافية لكل شيء من جذوره، المجتثة له من عروقه، الدافعة لكل شيء من أصوله، لا: الموغلة في النفي المطبق.. إلٰـه: اسم لا النافية للجنس وقع عليه معنى "لا" فنفاه.. بمعنى نفى حقيقته ونفى دلالته ونفى وظيفته نفاه مُعْتقَداً عن القلوب، ونفاه تأثيراً في الأنفس، وهو مفرد نكرة، ولقد اتفق النحاة على أن الخبر هنا أتى مقدراً واختلفوا في تقديره وكل التقديرات تصب في اتجاهٍ واحد على الرغم من قصور بعضها، إلاّ أن الأكمل والأصوب هو أن يقدر بكلمة "حقٌّ" "لا إلٰـهَ حقٌّ إلاّ اللهُ" ذلك لأن المعبود الحق والذي يستحق العبادة فعلاً وواقعاً هو الله سبحانه وتعالى أما غيره من الآلهة والمعبودات فهي موجودة في حياة الناس ومعتقداتهم وأنفسهم وعقولهم ولكنها باطلةٌ وظيفةً فلا تأثير لها في واقعهم، ولا أساس لها من الصحة في النتائج التي يرتبونها عليها، فوجودها كعدمه لا تسمن ولا تغني من جوع، لا تأثير لها في الكون، ولا عمل لها في الموجودات، ولا تفاعل لها مع الكائنات، ولا نتيجة منها في آخر المطاف مرجاة، ولذلك يجب ألاّ يبقى لها أساس في الوجود ما دام فعلها وتأثيرها غير موجود، ولا اعتبار لها في الحياة ما دامت لا تعبر عن الحياة.. ولذلك يجب أن تُنفى نفياً جنسياً جذرياً.. "لا إلٰـه"
لأنّ الإلٰه الحق المستحق للتأليه والعبادة هو الله لا سواه، إنه هو الحق سبحانه، وغيره هو الباطل، يقول تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِي الْكَبِيرُ﴾ (لقمان:30) 
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:"﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾ أي: الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له؛ لأنه ذو السلطان العظيم، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء فقير إليه، ذليل لديه، ﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ أي: من الأصنام والأنداد والأوثان، وكل ما عبد من دونه تعالى فهو باطل؛ لأنه لا يملك ضرًا ولا نفعًا."
إنه النفي الذي يحتاج لتمام معناه إلى ضده، إنه النفي أو قل إنه ركن النفي الركن الأول، نفي الألوهية عمن سوى العلي الكبير سبحانه، "لا إلٰـه" ركن ينتظر اكتمال الصورة، ينتظر إتمام الكلام، ينتظر الركن الثاني من التركيب، ينتظر الاستثناء "إلاّ الله" لتكتمل الصورة التي يجب أن يكون عليها معتقد المسلم، والمعلوم أنّ الإثبات بعد النفي أعظم دلالة في الإثبات من إثباتٍ مجرد بغير نفي. ولذلك صار قولك "لا إله إلا الله" وقول "لا إله غير الله" أبلغ في الإثبات وأقوى من قول: الله إله واحد، لأن هذا قد ينفي التقسيم ولكن لا ينفي استحقاق غيره للعبادة. فالإله ليس لفظاً أو عبارة دالة على المعبود فحسب بل هي ترسم الطريق الأوحد للرب جل وعلا تبين أنه ليس مجرد معبود بل يستحق العبادة عن حبّ وخضوع، إنه الإله الذي يستحق أن يكون معبوداً بكمالية العبادة بحق ومنفرداً بالعبادة دون غيره، لأن ألوهية غيره لا تتوفر في ذات هذا الغير ليست من طبيعته ولا تحملها هويته الذاتية بل هي موجودة فقط في قلوب من يعتقد ذلك، وراسخة فقط في أذهان أولئك الذين ألّهوه، وثابتة فقط في مخيلة من عبدوه.. جاء في لسان العرب لابن منظور(ج 13 / ص 467):"( أله ) الإلَهُ الله عز وجل وكل ما اتُّخِذَ من دونه معبوداً إلَهٌ عند متخذِه، والجمع آلِهَةٌ والآلِهَةُ الأَصنام سموا بذلك لاعتقادهم أَن العبادة تَحقُّ لها وأَسماؤُهم تَتْبَعُ اعتقاداتهم لا ما عليه الشيءُ في نفسه.." وفي قوله تعالى:( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ) ذكر الطبري في تفسيره لآية 91 من سورة المؤمنون: "يقول تعالى ذكره: ما لله من ولد، ولا كان معه في القديم، ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته، ولو كان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته ( مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ ) يقول: إذن لاعتزل كل إله منهم ( بِمَا خَلَقَ ) من شيء، فانفرد به، ولتغالبوا، فلعلا بعضهم على بعض، وغلب القويّ منهم الضعيف؛ لأن القويّ لا يرضى أن يعلوه ضعيف، والضعيف لا يصلح أن يكون إلها، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها، لمن عقل وتدبر."انتهى
هذا ما قضى به الإلٰه الواحد الأحد هو سبحانه العالم والعارف بما يجب أن يكون عليه اعتقاد خلقه فيه، وهذا ما أراد سبحانه من كلمة التوحيد"لا إلٰـه إلا الله"يقول الله تعالى:﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلاّ إيَّاهُ ﴾ (الإسراء : 23) بمعنى أوجب وفرض، أمر وأوصى، علّم وألزم، "لا تعبدوا إلا إياه" "لا إلٰـه إلا الله" وذلك منذ خلق الخلق، وجاء في كتاب الله تعالى ذكر قصص الخليقة مرحلة مرحلة وشاهدا شاهداً، جاءت كل تلك القصص الحق عنوانا على التوحيد وتأكيداً للعقيدة وتوضيحاً لمسيرة "لا إلٰه إلا الله" وترسيخاً لمعانيها في القلوب والعقول والأنفس يقول المولى جل ذكره: "

"ما من إلٰه" أي "لا إلٰه" وكما أشرنا من قبل هذا هو ركن النفي في التركيب، أما الركن الثاني ركن الإثبات "إلاّ الله" إثبات الوحدانية الإلاهية لله وحده بلا شريك ولا ندّ ولا مثيل، نفي لما سواه كيفما كان شكله أو نوعه أو طبيعته أو حجمه أو مركزه، نفي لكل ما دعي أنه آلهة عبر تاريخ البشرية كيفما جسده الذي يؤلهه في حجر أو شجر أو طبيعة أو حيوان أو ملك أو جن أو إنس أو فكرة أو هوى وحتى اللا شيء نفسه..إن والإلٰه هو المألوه المعبود كما قلنا من قبل المتفرد بالوحدانية في الألوهية والعبودية والأسماء والصفات في كل ما يتعلق به كما ذكر عن نفسه سبحانه وتعالى عما يشركون، توحيده بالكامل مع الحبّ والخضوع التامين الكاملين له سبحانه.. 
قال شيخ الإسلام رحمه الله 
كما في مجموع الفتاوى (10/ 249) (فَإِنَّ " الْإِلَهَ " هُوَ الْمَأْلُوهُ وَالْمَأْلُوهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَكَوْنُهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ هُوَ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَحْبُوبَ غَايَةَ الْحُبِّ الْمَخْضُوعَ لَهُ غَايَةَ الْخُضُوعِ، وَالْعِبَادَةُ تَتَضَمَّنُ غَايَةَ الْحُبِّ بِغَايَةِ الذُّلِّ.)
وكل من لم يتحقق عنده التوحيد بالكيفية التي أراد الله تعالى نفياً وإثباتاً، وبالشكل الذي أمر به "واعلم أنه لا إلٰه إلا الله" فإن مصيره سيكون ما قرره الله سبحانه نفسه في مثل قوله سبحانه وتعالى: "وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ"(المؤمنون117)
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
حرر عصر يومه الجمعة 14 جمادى الآخر1436هـ يوافقه 3 أبريل 2015م



"PDF" تحميل ملف 

0 تعاليق:

إرسال تعليق