class='ads'>
الجمعة، أبريل 17

الدرس الخامس من دروس الدورة الشرعية

الدرس الخامس من دروس  

~(الدورة الشرعية)~

تحت عنوان  

~<("لا إلٰه إلا الله" بين العلم والجهل بحقيقتها)>~

الدكتور عبد الرزاق المساوي



الحمد لله الذي لا إلٰه إلا هو علمنا القرآن وزيننا بالبيان وأمرنا بتوحيده فقال"فاعلم أنه لا إلٰه إلا الله" نحمده على ما علمنا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه إنه هو العليم الحكيم.

والصلاة والسلام على محمد المبعوث بالتوحيد للعالمين القائل"من مات وهو يعلم أنه لا إلٰه إلا الله دخل الجنة"وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

وقفنا في الدروس السابقة عند أول ما أنزل من القرآن على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم~<(اِقرأْ باسم ربك الذي خلق..)>~وتحدثنا عن دلالاتها ومعانيها وظلالها وإيحاءاتها وما تركته في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم من آثار نقَلَها إلى من معه حينئذ، وكان بذلك داعيةً إلى هذا الأمر الرباني الأول في أسرته من خلال زوجه خديجة رضي الله عنها وفي المجتمع القريب والبعيد من خلال ورقة بن نوفل، وبذلك كان للإسلام منذ نبتته الأولى إشارات واضحات بأنه دين التغيير والتأثير في طبيعة الأشياء في الزمان والمكان والإنسان فرداً وأسرة وجماعة وأنه يحمل رسالته لكل العالمين، كان هذا منذ الثواني الأولى..وهكذا كان الأمر الأول ~<(اقرأ باسم ربك الذي خلق..)>~ في بداية الاتصال بين السماء والأرض لتتحول في مسيرتها على الأرض إلى الكلمة الجامعة المانعة لكل دلالات التوحيد المفعمة بكل معاني الإفراد إنها كلمة التوحيد "لا إلٰـه إلا الله" وهي الكلمة التي كان ينادي بها من يومها الرسول صلى الله عليه وسلم بصوت عالٍ في كل المناسبات وبكل الأماكن وعلى الرغم من كل الظروف والمعيقات "يَا أَيُّهَا النَّاسُ،قُولُوا:لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا"(صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة والمستدرك على الصحيحين) وهي السبب في عداء القريب قبل البعيد له، فكان كلما نادى في سوق عكاظ وغيره بهذه الكلمة ينبري له أول من ينبري له عمه أبو لهب، وهي الكلمة التي رفضتها قريش ومكة والعرب بداية وحاربها رؤساؤها وعلية القوم فيها.. كما رأينا أنها هي الكلمة التي تمركزت في النفي والإثبات في السلب والإيجاب في الحصر والقصر، هي الكلمة التي ما كان يكتمل لفظها من فم محمد صلى الله عليه وسلم لتلج آذان علية القوم وتطرق مسامعهم حتى ترى لهم أزاً وأزيزاً وتسمع لهم ركزا واستنكاراً، لماذا هؤلاء القوم يقفون بعدائهم الشديد وازدرائهم القوي ومبالغتهم في الأذى أمام رجل واحد، وهو لا يدعوهم إلا لما يعرفون ويعون ويفهمون؟ أليس هم الذين يعرفون الله سبحانه حين قالوا "إلا ليقربونا إلى الله زلفى" وهم الذين يجيبون كلما سئلوا عمن خلق المخلوقات فيقولون "الله" إنه ما دعاهم إلا لكلمة سهلة لا تعقيد فيها، وفكرة واحدة لا إشكال عليها، ولكن العربيَّ بفطرته اللغوية وبمنطقه الإدراكي وبعلمه المسبق بمفردات لغته وبحنكته في فهم تراكيب جمله وبسليقته الغضة المدركة لمقاصد الحروف في لغة الضاد كان يعرف المطلوب منه كان يعلم علم اليقين أنها ليست كلمة عادية وليس قولاً عابراً وليست تركيباً قاصراً، كان العربي يستشف ما خلف النص من ظلال، ويتلمس ما يوجد ضمن التركيب من إشارات،ويتحسس ما بين الحروف من إيحاءات، ويستنبط ما توحي به الكلمات وما يقصده الداعي إليها وما يتغياه، كان المتلقي العربي يعرف أن ترديد هذه الكلمة ليس سهلاً ويعلم علما أكيدا أن التلفظ بها لا يقتصر على اللسان ولا تقف عليه الشفتان، لأن لتلك الكلمة العظيمة في حسه اللغوي تبعات، وعندها في فكره الدلالي التزامات،ولها في إحساسه القلبي تأثيرات، ولها في إدراكه العقلي ما بعدها من التساؤلات..

لذلك امتنع من العرب عن قولها من امتنع، وأبى ترديدها من أبى، وحاربها منهم من حاربها، وقاوم من آمن بها أوغادُهم، وتسلط عليها عقلاءهم وسفهاءهم ونِسوتهم وذكرانهم فحاولوا إقبارها وطمس معالمها لذلك عملوا ما في وسعهم كي يدخلوها في عالم الشعوذة والدجل والأساطير بادعائهم "ساحر" و"كاهن"وسعوا من أجل إقحامها عالم الخيال والكذب والضرب في كل اتجاه فقالوا"شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ" لكنها الكلمة الباقية التي لها تاريخ عريق تمددت فيه، وجذور ضاربة في القدم لم تجتث منه، ولها جولات بين الأمم وصولات بين الأقوام وانتصار تذكر به، كلما رفع لواءها أحد الأنبياء والرسل أو أحد من أتباعهم والدعاة إلى سبيلهم إلا ووقف في وجهها من يعرف معانيها ويدرك مقاصدها لأنه يشعر بأنها كلمة ليست ككل الكلمات فهي تهدد مصالحه الاقتصادية المنبنية على التجارة الشركية وتزلزل مكانته الاجتماعية المرتكزة على الحسب والنسب والجاهات التقليدية، وتعصف بطاغوتيته القائمة على الملكية والسيادة والرئاسة العصبية، بل وتجعله مع غيره من مواطنيه وأقرانه وعبيده سواء وهو الشريف المكرم المتنعم بولاءاته الكفرية.. كان يعلم أن أسلوب النفي في تلك الكلمة سيطال كل شيء يفتخر به ويعلو به على خلق الله، يعلم أن ذلك النفي سيمارس عمله على كل الأركان التي يعتمدها في حياته وهو لا يريد أن يضيع منه شيء من أجل تلك الكلمة كلمة التوحيد، هو يريد التعدد ليبقى في مكانه ومكانته وسموه ورقيه وعلوه كما يتوهم ذلك، ويريد أن يعيش الناس على ما يتوهمه هو وعلى ما يراه هو لا ما يشرعه لهم ربهم الواحد الأحد الفرد الصمد، لا يريد هذا النفي الذي سيأخذ منه شعبيته وطاعة الناس له، هو يعلم أن أسلوب النفي هذا سينفي عنه كل شيء حتى إحساسه، ويعلم أيضاً أن أسلوب الإثبات فيها أخطر عليه وعلى مصالحه وعلى كل ممتكاته المادية والمعنوية، لذلك وعلى الرغم من إيمانه بالله موجوداً وخالقاً وقادراً ورازقاً ~<(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله)>~ ~<(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ الله)>~.. لا يريدون الاعتراف بها ولا الإيمان بها ولا النطق بمكوناتها،لأنهم يعلمون أنها هي بالضبط دون سواها في جمعها للنفي والإثبات تغيير للواقع وتغيير للأنفس وتبديل للمألوف وقلب للمعتاد على جميع المستويات وفي كل الاتجاهات..

سيصبح قائلها في شكل مختلف،لقد كان يقال لهم "قولوا لا إلٰه إلا الله تفلحوا" وكانوا يدركون أن القول هنا ليس حركة شفهية ولا عملية لسانية ثم يبقى كل شيء على ما هو عليه، أبداً فهم يدركون معاني لغتهم ويعلمون مقاصد قيلهم ويفهمون أيحاءات كلامهم، فلو كان القول مقتصراً على اللسان لما تأخر أحد منهم ولسارعوا جميعهم إلى قولها والإيمان بها والتغني بها والترويج لها، ولكن ما كان العربي يجهل لغته أبداً وهو صاحب الفصاحة والبيان، فكأني بعرب الجاهلية أوعى وأفهم وأذكى وأعلم بمقاصد وأهداف وغايات هذه الكلمة أو هذه الجملة أو هذا التركيب اللغوي من عرب عصرنا الذين يلوكونها ولا يفهمونها وينادون بها ولا يعلمون منها شيئاً فوجودها في حياة هؤلاء تماماً كعدمه، ألم يكن من السهل على أبي لهب وهو عمّ رافع لوائها صلى الله عليه وسلم أن يقولها لو كانت عنده كما هي الآن عندنا،ألم يكن من السهل أن يرددها أبو جهل لو كان يعلم عنها مثل الذي أصبحتْ عليه في حسّنا، ألم تكن سهلة على أمية بن خلف فيتفوه بها لو كانت تعني عنده ما قصرناه فيها، ألم تكن أيسر في لوكها بلسان الوليد بن المغيرة وهو الذي أثر فيه سماع القرآن لو كانت تعني عنده ما تعنيه عندنا؟ لماذا كل هؤلاء وأبو سفيان بن حرب وأبو جهل بن هشام والأخنس بن شريق وغيرهم كلهم عادَوْا تلك الكلمة العظيمة، كلمة النور الساطع المبين، كلمة المعنى والدلالة والإيحاء والظلال، كلمة التغيير والتبديل، كلمة القول والعمل والواقع المعيش، كلمة التوحيد والإفراد والإخلاص تحتاج منا لفهمها ورصد تأثيراتها وإدراكها، تحتاج علمابمقاصدها، فهي الكلمة التي بدأت بالعلم وانتهت به من قوله تعالى ~<(اقرأ باسم ربك)>~ إلى قوله سبحانه ~<(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ)>~ إلى قوله جل وعلا ~<(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)>~ وتعود الكلمة في أصولها إلى قوله جل جلاله ~<(وعلّم آدم الأسماء كلّها)>~ ولا ريب في أن ّمن أول الأسماء التي تعلمها آدم عليه السلام في الملإ الأعلى بل ومن أفضلها وأكرمها وأعلاها وأسماها بدون شك ولا منازعة اسم الجلال الذي ينور كلمة التوحيد "لا إلٰه إلا الله" التي يقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له" من حديث رواه الترمذي وحسَّنه الألباني في"صحيح الترغيب" وقد جاءت على لسان كل رسول في دعواتهم لأقوامهم على شكل "اعبدوا الله ما لكم من إلٰه غيره" في مثل "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ" "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ" "وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ" "وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ" "وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ" إلى أن وصلت الكلمة الجليلة إلى عيسى بن مريم عليه السلام "وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ" ويأتي محمد صلى الله عليه وسلم ليقول للجميع: "ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله" ثم يقول الحق سبحانه وتعالى مجملا ذلك في أحسن تركيب "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"

من هنا كان تأكيد العلماء على أن أول شرط من شروط "لا إلٰه إلا الله" العلم بمعناها حصرا وقصرا نفيا وإثباتا.. فالعلم بمعناها هو الذي يحدد الموقف من قولها إيجابا أو سلباً، إطاعة أو عصيانا، تمثلاً أو انسلاخا.. وافترق في هذا الأمر الناس فرقا ثلاثة، واحدة علمتها فأنكرتها، وثانية تلفظت بها وعطلتها، وثالثة علمتها وعملت بها.. فأما التي علمتها فأنكرتها فأولئك الذين علموا معناها الحق وهو أنها كلمة تُرجع كل شيء في الحياة إلى واحد أحد فرد صمد ليحكمها شرعه ويستقر فيها أمره ونهيه ويَثْبُتَ بها ميزانُ عدله ومبادئُ حكمه، رأوا في ذلك أنها تقوّض مصالحهم في دنياهم، وتفسد عليهم توجهاتهم التي ارتضوها لأنفسهم، وتغيّر حياتهم التي ركنوا فيها إلى رغد العيش ودعته وتقلبوا في ملذاته، وأنها تقْلِبُ عليهم كل أوضاعهم التي ألفوا الولوغ فيها دون التفرقة بين حلالها وحرامها، وتُفقدهم السيطرة السياسية والتمكين الاقتصادي وتسحب من تحتهم كراسي الحكم الجبري ومراكز التدبير التعسفي،هؤلاء بفهمهم هذا لحقيقة التوحيد ومعرفتهم بخصائص"لا إلٰه إلا الله"، وإدراكهم لأفق الاعتقاد بها مع حبهم لشرور أنفسهم وانغماسهم في منكراتهم وشغفهم باستعباد غيرهم رفضوا قول"لا إلٰه إلا الله" والتلفظ بها والانصياع لمتطلباتها والانقياد لمقوماتها، وحاربوا كل من حمل لواءها أو دعا بدعوتها أو أراد أن يتمثلها معتقداً وسلوكاً.. قاتلوهم وقتّلوهم طاردوهم ونفوهم ضيقوا عليهم وخنقوهم، أو حرفوا لهم معانيها وغيروا لهم في دلالاتها، ولبّسوا عليهم خصائصها ونزعوا عنها مقوماتها، وروجوا لنقائضها، وأفسحوا المجال لإفساد مظاهرها، وادّعوا على الناس غير الذي هو منها،وكانت الفرقة الثانية وهي من اتبعهم من السفهاء والغوغاء في تحريفهم وتخريفهم وقالها بلسانه ولم يستيقنها قلبه، أو رددها بغير علم منه لها فضلَّ وغوى وانتكس وهوى وخسر وذوى، ومن ثمة عاش عبداً لغيره منكسرا، لا عابدا لخالقه ولا معتزا بربه، ولا حيا لله لا لسواه متذللا.. فكل من يتلفظ بـ"لا إلٰه إلا الله"وهو لا يعلم معناها ولا يفهم فحواها ولا يدرك مقتضياتها ولا يفقه تبعاتها لا تنفعه في حياته ولا بعدها أبداً ولا تفيده في شيء من أموره ولو عدها عددا، ولا تتشرف وهي كلمة الشرف الأعلى بانتسابه لها ولو يدّعى الانتساب لها، إن كلمةَ التوحيد خالصة لمولاها مُخْلِصَة في ذاتها مُخَلِّصَة لمن آمن بها وعمل بمقتضياتها، ولقد أبتها الفرقة الأولى وفرّطت فيها، وانسلخت منها الفرقة الثانية أو أفرطت فيها، أما من على هؤلاء القوم المجرمين الظالمين الضالين تأبّى وعليهم استعصى ولسبيلهم تنكّر وعن ضلالاتهم ترفّع، واختار"لا إلٰه إلا الله"بصفاء فهمها ونقاوة معانيها وحلاوة دلالاتها، أي أنه علِمها حق علمها وتشرّبها قلبه ووجدانه وعقله وفكره وسلوكه ونهجه وحركاته وسكناته، واعتقد اعتقاداً جازماً أن الله وحده المستحق للعبادة المتفرد بها في جميع جوانب الحياة "قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَكان مستحقاً لقول الرسول عليه الصلاة والسلام "من مات وهو يعلم أنه لا إلٰه إلا الله دخل الجنة"رواه مسلم وأحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وابو عوانة. وهذه هي الفرقة الثالثة الفرقة الناجية والمنصورة..
هذه طبيعة"لا إلٰه إلا الله"وهذا معناها وذاك مفهومها وتلك حقيقتها، من علمها حقا وعدلا عمل بمقتضاها والتزم شروطها وجعل حياته منها وإليها، فهي التوحيد والإفراد بكل شموليته في العبادات بكل مظاهرها وفي الطاعات بكل تجلياتها، هي العقيدة التي إذا دخلت القلب ووعاها عقدت على الجوارح فلا تنفك عنها، تُحركها بحركاتها وتُسكنها بسكناتها فلا تعمل إلا بأمرها ولا تتوقف إلا بنهيها ولا تتقدم إلا تحت إمرتها ولا تبديء ولا تعيد إلا بعد استشارتها، هكذا الجوارح لمّا يسكن التوحيد القلوب وتفهمه وتعيه وتعلمه وتدريه قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه في كتابه "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"" العلم لا بد فيه من إقرار القلب ومعرفته بمعنى ما طلب منه علمه، وتمامه أن يعمل بمقتضاه، وهذا العلم الذي أمر الله به-وهو العلم بتوحيد الله-فرض عين على كل إنسان، لا يسقط عن أحد كائنا من كان، بل كلٌّ مضطر إلى ذلك" سورة محمد..
وخلاصة الكلام أن العلم بمعنى كلمة التوحيد ومعرفة مضمونها وفهم مقتضاها من شروط تحقيقها وتحقّقها، وبما أن العلم بالشيء وتحقيقه أمران نسبيان يتفاوت فيهما الناس ولا يستوون فهم فيه بين مُقِلٍّ ومستكثِرٍ، فإن الناس كما أوضحنا سلفاً يتفاوتون في حظهم من كلمة التوحيد تلك"لا إلٰه إلا الله"بحسب علمهم بمعناها وعليه يتحدد مصيرهم فيما بعدها..
فلينظر كل واحد منا أين هو من الفرق الثلاثة..والله المستعان

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولكل الموحدين
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين
تمّ تحريره فجر يومه الثلاثاء 26 جمادى الآخر 1436هـ/15أبريل2015م 
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى مع درس جديد من دروس التوحيد
على حسابكم ~(الدورة الشرعية)~ 
تحت إشراف الفقير إلى ربه جل وعلا د.عبد الرزاق المساوي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

"PDF" تحميل ملف 


0 تعاليق:

إرسال تعليق